يكتب إدوارد كوزين عن لحظة لافتة لمصر هذا العام، حيث استضافت القاهرة مؤتمرات دولية جذبت الأنظار، أبرزها قمة شرم الشيخ التي دعا خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوى الدولية لدعم خطته لوقف إطلاق النار في غزة. وبعد أسابيع، افتتحت مصر المتحف المصري الكبير في احتفال عالمي ضخم. رغم ذلك، بقيت تطورات الداخل بعيدة عن الضوء، خصوصًا الانتخابات البرلمانية التي جرت جولتها الأولى في نوفمبر مع استعداد لجولة إعادة في ديسمبر.

 

تشير تغطية الجزيرة إلى أن الانتخابات جاءت تحت سيطرة ائتلاف موالٍ للحكومة ينافس دون معارضة على مقاعد القوائم، بينما يعجز المرشحون المستقلون عن مجاراة المنافسة لغياب الموارد والاتصالات السياسية. لذلك يصفها حقوقيون بأنها انتخابات تُجرى وسط قيود خانقة تحد من المشاركة الفعلية، مما يقلل اهتمام الناس بالعملية السياسية، امتدادًا لنمط مستمر منذ عقد.

 

أثر ضخّ رؤوس الأموال

 

يهيمن ظل الحرب على غزة على المنطقة، لكن الذاكرة القريبة تشير إلى أزمة اقتصادية قاسية عاشتها مصر قبل أقل من عامين. تدخلت مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي بضخ مليارات الدولارات، إضافة إلى تعهدات استثمارية ضخمة من الإمارات مطلع 2024، مما ساعد القاهرة على تفادي الانهيار.

 

تبدو المؤشرات الرسمية أفضل الآن: تحسن التصنيف الائتماني، وزيادة معدل النمو، وتراجع التضخم بعد سنوات من الارتفاع، واستمرار تدفق الاستثمارات الخليجية. تخطط قطر لتطوير شريط ساحلي قرب العلمين، بينما تمضي الإمارات في مشروع كبير قريب منه. واختتم صندوق النقد مراجعته الرابعة للإصلاحات الاقتصادية، وصرف شريحة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار.

 

ورغم قلق الصندوق من هيمنة الدولة والجيش على الاقتصاد، يلوّح برسالة ضمنية: مصر كبيرة للغاية على السقوط، خصوصًا مع صمود اتفاقية السلام المصرية–الإسرائيلية رغم أحداث غزة.

 

انعكس تدفق الدولارات على السوق. استقرت قيمة الجنيه بعد خفضٍ كبير، وازدادت سيولة العملات الأجنبية. يؤكد أصحاب مصانع النسيج أن الاستقرار عزّز التصدير، وأن شركات تركية كثيرة بدأت العمل في مصر مستفيدة من انخفاض تكلفة العمالة، مما دفع أصحاب مصانع محلية لرفع الأجور للحفاظ على العمال.

 

ويوضح مهندسون في قطاع الصناعات المعدنية أن استقرار سعر الصرف اختصر زمن وصول المواد الخام من أشهر إلى شهر واحد، ورفع قدرة المصانع على التوظيف— حتى لو ظلت العقود مؤقتة.

 

تحسن نسبي.. لكنه غير شامل

 

يحذر اقتصاديون مثل أسامة دياب من جامعة KU Leuven من أن هذه النتائج تخفي أزمة أعمق. يعتقد دياب أن القروض والاستثمارات تعالج الأعراض لا الجذور، وأن الاقتصاد ما زال يعتمد على أسعار فائدة مرتفعة لجذب العملات الصعبة، مع اختلالات كبيرة في الحساب الجاري. ويرى أن أغلب الأموال تُوجَّه لسداد الديون بدلًا من الإنفاق على مشاريع تخلق وظائف أو دخلًا جديدًا، مما يعني أن غالبية المصريين لن يشعروا بتحسن حقيقي.

 

ورغم بعض التفاؤل لدى رجال الأعمال، يستمر ضعف الطلب المحلي في خنق الأسواق. يشير أصحاب مصانع النسيج إلى أن العملاء يشتكون من نقص المال، وأن القوة الشرائية لا تزال ضعيفة.

 

في الريف، تتضح الصورة أكثر. يعتمد محمود، وهو فلاح في الأربعين من دلتا النيل، على قطعة أرض صغيرة تدعم أسرته المكونة من ستة أفراد. يعمل في خدمات بسيطة بجانب الزراعة، لكنه يرى الأسعار تتصاعد بينما تُلغى أشكال الدعم المختلفة. يشعر سكان الريف بأن ثمار المشاريع الكبرى—مثل المتحف المصري الكبير—لا تصل إليهم، وأن السياحة تنعش العاصمة والمنتجعات فقط.

 

مستقبل غامض رغم التحسن الظاهري

 

ازدادت ضغوط المعيشة مؤخرًا بارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والغاز. ومع أن بعض القطاعات رفعت الأجور، يظل الإحساس العام هو الحاجة إلى زيادات أكبر. يضيف الفلاحون أن تراجع الدعم أثقل كاهلهم، وأن سياسات الصندوق جعلت الفقراء يدفعون ثمن الإصلاح، بينما تتحسن بيئة الأعمال لصالح الشركات والمستثمرين.

 

وفي الوقت الذي يعِد فيه افتتاح المتحف بزيادة عوائد السياحة، يبقى السؤال: هل يُترجَم هذا التحسن الكلي إلى حياة أفضل للمواطن العادي الذي يلاحق الأسعار بلا هوادة؟
المشهد الاقتصادي المصري يظهر مستقرًا على الورق، لكنه هشّ على الأرض، يحتاج إلى إصلاحات أعمق تعالج جذور الفقر وتعيد توزيع الفوائد بصورة أكثر عدلًا، في بلد يبحث عن توازن دقيق بين النمو والحماية الاجتماعية.

 

https://www.aljazeera.com/economy/2025/12/5/egypts-economy-stabilises-but-poverty-challenges-persist